مقام الرسول صلى الله عليه وسلم فى القرأن
صفحة 1 من اصل 1
مقام الرسول صلى الله عليه وسلم فى القرأن
مقام الرسول -- في القرآن ....
قال تعالى: “إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر” هذه أخرى خلصت لرسول الله خطابا، وخلصت له بشرى وعطاء، وهي من السور المكية التي تثبت قدمي نبي الله على طريق الدعوة الى الله تعالى.
يروى في أسباب نزول هذه ال ان أحد صناديد المشركين وهو العاصي بن وائل السهمي كان إذا ذكر رسول الله قال: دعوه فإنما هو رجل ابتر لا عقب له، لو هلك انقطع ذكره، واسترحتم منه، فنزلت تلك ال المباركة بالرد القرآني على هذا المشرك وأقرانه ناعتة إياه بما نعت به محمدا ، ومبشرة رسول الله بالخير الكثير في الدنيا والآخرة.
قوله: “إنا أعطيناك الكوثر” أوثر التعبير بالعطاء، لما فيه من التمكن، وقد
افتتح هذا الخبر ب “إن” تأكيدا للخبر الوارد، واهتماما به لعظمة ما تضمنه.
معنى الكوثر
والكوثر على وزن “فوعل” من الكثرة، فالوصف هنا في ال يدل على المبالغة في الكثرة، لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.
وقد كثرت أقوال المفسرين في بيان معنى الكوثر، فمنهم من ذهب الى ان المراد
به نهر الكوثر وهو نهر في الجنة، وقد ثبت في الصحيح أنه (نهر في الجنة
حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى
من العسل، وأبيض من الثلج).
وأرجح ان المراد بالكوثر الخير
الكثير الدائم في الدنيا والآخرة ومنه نهر الكوثر، إنه الكوثر الذي لا
نهاية لفيضه، ولا احصاء لعوارفه، ولا حد لمدلوله، ومن ثم تركه النص بلا
تحديد ليشمل كل ما يكثر من الخير ويزيد، وهذا هو الأنسب في هذا السياق،
وفي هذه الملابسات، فهذا الاطلاق العام لمعنى الكوثر يناسب التعبير بنون
العظمة في “أعطيناك” أي يتناسب وعظمة المعطي سبحانه، وجلال المعطى له .
والتعبير بالماضي “أعطيناك” فيه دلالة على تحقق وعد الله لرسوله ووقوعه، حتى غدا واقعا يخبر عنه.
منزلة عظيمة
والكاف في “أعطيناك” في محل نصب مفعول أول ل “أعطى”، وفي إيثار ضمير خطابه
دون وصف الرسول أو النبي مثلا، حيث لم يقل: إنا أعطينا الرسول الكوثر، أو
إنا أعطينا النبي الكوثر، في هذا الإيثار لضمير خطابه عليه السلام استحضار
للحبيب لساحة الخطاب الإلهي تعجيلا بقذف البشرى في قلبه وادخالا للمسرة عليه، كما يوحي هذا بقرب الرسول
من ربه وعظيم منزلته عليه السلام وكأني بكاف الخطاب أتت برسول الله لتملأ
سمعه بهذه البشرى العظيمة لتنزيل ما عساه ان يكون قد تأثر به سمعه الشريف
من مناداة المشركين له بالأبتر.
أضف الى ما في هذا الخطاب من التشريف والتعظيم لنبي الله وقد أضاف الألوسي وجها آخر دقيقا وذلك حين أشار الى دلالة الخطاب على ان الاعطاء الإلهي لرسول الله غير معلل به بل هو محض الاختيار والمشيئة.
والفاء في قوله: “فصل لربك وانحر” للسببية، حيث جعلت ما قبلها سببا أو
مسوغا لما بعدها، والمراد ان هذا الخبر العظيم الذي منح إياه النبي
يستوجب شكر المانح سبحانه، وقيل “فصل” دون “فاشكر”، لأن (الصلاة جامعة
لجميع أقسام الشكر) وفيه دلالة أيضا على أهمية العبادة العملية، وإشارة
الى ان الشكر لا يقتصر على اللسان بل أفضل الشكر العمل بالأركان. والمراد
بالأمر في ال الدوام والثبات، أي فدم على صلاتك لربك، واثبت عليها شكرا لما وهبك إياه ربك.
وفي ال
التفات من التكلم الى الغيبة، حيث كان مقتضى الظاهر ان يقال: فصل لنا
(وفيه اشارة الى حثه عليه السلام على الصلاة، لأنها لربه الذي رعاه ورباه،
فكأنه يقوي داعي الصلاة بذكر ربه).
تلمح هذا أيضا في إيثار لفظ “رب” وإضافته الى ضميره فكان هذا بمثابة المسوغ لاستحقاقه تعالى العبادة دون غيره، وعلى هذا فاللام في قوله: “لربك” للاختصاص.
وعطف قوله “وانحر” على قوله “فصل” ولعل الوجه في ذلك أن فيه تعريضا
بالمشركين، حيث كانت صلاتهم مكاء وتصدية، وكان نحرهم للأصنام. وفي ال الكريمة توجيه للرسول
ولأمته من بعده الى اخلاص العبادة بل الحياة كلها لله تعالى، وتجريدها من
كل شائبة، ليبقى تميز المسلم عن غيره في عمله وعبادته وفي منهج حياته كلها.
نحر الإبل
وقد استدل كثير من العلماء بهذه ال على أن ال مدنية وعلى وجوب تقديم الصلاة على الأضحية، ولكن ما روي في أسباب نزول ال يرجح أنها مكية ولعل رسول الله
حين اقترب وقت الحج قبل بعثته قد تردد في نحر هداياه تحرجا من ان يشارك
أهل الشرك في أعمالهم فأمره الله ان ينحر الهدي ويطعمها للمسلمين، أي لا
يمنعنك نحرهم للأصنام ان تنحر أنت ناويا بما تنحره أنه لله. وهذا هو توجيه
الطاهر بن عاشور للأمر بالنحر في ال.
وقيل: إن إيثار لفظ (النحر) على لفظ (الذبح) مع ان الضأن أفضل من الضحايا
وهي لا تنحر إنما هو تغليب للفظ النحر، ومراعاة لفاصلة (الراء) في ال
ايضا. وأحسب والله أعلم ان تخصيص الضأن بالتقدير لا يتناسب مع السياق، كما
ان القول بأن الضأن أفضل من الضحايا لا حجة فيه، لأن البدن هي خيار أمور
العرب، وهذا يتناسب مع سياق المبالغة في العطاء الإلهي للرسول ، وكأن في ال الكريمة دعوة للحبيب
الى التصدق الكثير بأفضل ما لديه شكرا لربه على الخير الفياض الذي منحه
إياه، وهذا يناسبه نحر الإبل، لوفرة لحومها، وكثرة المنتفعين بها من
الفقراء قياسا على الضأن، لذا كان ايثار لفظ النحر على الذبح حتى لو كان
المراد بالتقدير ذبح الضأن والله أعلم بأسرار كتابه.
ولو تأملت قوله سبحانه: “إن شانئك هو الأبتر” فستجد أن هذه ال في ال، جاءت خاتمة لها، فما سبق هذه ال
كان ردا غير مباشر على هؤلاء المشركين الذين نعتوا الرسول عليه الصلاة
والسلام بأنه أبتر، وجاء الرد بإثبات اعطائه عليه السلام الخير الكثير
الواسع الذي لا يعلم كنهه إلا معطيه سبحانه وهذه اشارة الى نقض ما نعت به
عليه السلام .
وال الأخيرة “إن شانئك هو الأبتر” رد آخر صريح على هؤلاء السفهاء أو على الذي اطلق هذا الوصف “الأبتر” على النبي ، وتأمل بناء تلك ال
الصريحة في الرد على ذلك المشرك العاص بن وائل السهمي وأضرابه.. تجد أنها
تصدرت ب (إن) تأكيدا لمضمونها، ثم اشتملت على جملة قصر لتأكيد نفي الخيرية
عن شانئ أي مبغض النبي عليه السلام، واستفيد هذا القصر من تعريف الطرفين،
وضمير الفصل للتوكيد، فال من قصر الصفة على الموصوف قصر قلب أي هو الأبتر لا أنت.
والأبتر هو المقطوع، ويطلق على المقطوع ذنبه من الدواب، ثم أجرى قطع العقب
مجراه، فقيل: فلان أبتر اذا لم يكن له عقب يخلفه، وهو بهذا استعارة
تصريحية، حيث شبه الولد والأثر الباقي بالذنب، لكونه خلفه، وهذا المعنى هو
المقصود من قول المشرك حين وصف الرسول بأنه أبتر، لموت أولاده الذكور.
والمتأمل لمعنى “الأبتر” في ال يجد ان المقصود بها المقطوع الخير، فمبغض الرسول هو المحروم من كل خير وذكر، وبذلك يكون ما في ال
من الأسلوب الحكيم، وذلك بصرف مراد القائل عن المعنى الحقيقي للأبتر الذي
هو عديم الابن الذكر الى ما هو أجدر بالاعتبار وهو الذي لا حظ له من
الخير، أي لا ينقص المرء أنه لا ولد له.
وعبر باسم التفضيل
“الأبتر” دون اسم المفعول “المبتور”، للمبالغة في تعميم نزع الخير عن مبغض
رسول الله، ولقد صدق وعيد الله في هؤلاء المشركين، فقد اجتثت آثارهم،
وانقطع ذكرهم، في حين بقي الخير المحمدي ممتدا ينمو ويعلو.
وتجد الطباق بين “الكوثر والأبتر” فالكوثر الخير الكثير الفياض، والأبتر بناء على المفهوم من ال المنقطع عن كل خير، والطباق هنا يبرر البون الشاسع الذي لا حد له بين درجة الحبيب وفضله وبين دركة المشرك المبغض له. بقي القول إن في ال
الكريمة إدماجا حسنا، حيث أدمج العطاء الرباني للرسول عليه السلام في
ابطال كيد مبغضه، وقد أكد هذا الابطال مرتين: مرة بالتلويح في أول ال، ومرة بالتصريح في آخرها والله أعلم .
...
عبدالرحمن المهدى- المساهمات : 171
تاريخ التسجيل : 28/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى